العلاقة الشركسية البولندية – وليد هاكوز

تاريخ النشر على الموقع 14/12/2011

بقلم : وليد هاكوز
٢٠-١١-٢٠١١

لم تكن منطقة القوقاز موجودة في الفكر السياسي البولندي حتى أوائل 1830. وبعد فشل الإنتفاضة البولندية الأولى ضد الإحتلال الروسي في عام 1831 ، فرت جميع القوى السياسية للخارج ، والذي أصبح ما يسمى بالهجرة البولندية العظمى ، حين هاجر نحو 10,000 شخص من النخبة السياسية والعسكرية والثقافية البولندية ، وقررت الذهاب للمنفى إلى فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص ، وبدأت تنظر بعناية فائقة في الأحداث الجارية في شمال القوقاز، حيث كان الشركس والشيشان مازالوا يقاومون الحرب الإستعمارية ضد روسيا .

كان السبب الرئيسي لهذا الإهتمام هو وجود حوالي 9,000 جندي من الجنود السابقين في الجيش البولندي ، والذين أرسلوا قسرا إلى شمال القوقاز لمكافحة المقاومة الشركسية ، من قبل السلطات الروسية بعد قمعهم للإنتفاضة البولندية . وكانت قد فرضت عليهم الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الروسي كشكل من أشكال الإضطهاد والعقاب الذي فرض عليهم بعد إنهيار المقاومة البولندية . وأدى وصول العديد من هؤلاء الجنود الذين هربوا من ساحات المعارك في القوقاز واستطاعوا الوصول إلى أوروبا الغربية ، لإهتمام كبير لرئيس الجناح اليميني للمهاجرين البولنديين الأمير Adam George Czartoryski بشأن مسألة القوقاز .

ولد الأمير آدم جورج كزاتوريسكي في 14/10/1770 ، لعائلة من طبقة النبلاء اللتوانيين البولندية . أصبح وزيرا للخارجية في حكومة روسيا القيصرية ، ثم رئيسا للوزراء في العام 1804 . ترك الحياة السياسية بعد ذلك لمدة 25 عاما ليتفرغ للكتابة ، ولكنه عاد إليها في آواخر 1830 كرئيس للحكومة المحلية خلال قيام الإنتفاضة البولندية الأولى ضد القمع الروسي لبلاده . وفي 23 آب 1831 إنضم للمقاومة الشعبية البولندية ضد الإحتلال الروسي لبولندة ، وغادر بلاده ليؤسس في 25 شباط 1832 منظمة أصدقاء بولندة في بريطانيا ، ثم غادرها إلى باريس في فرنسا وأنشأ مركز للمهاجرين البولنديين ، وأصبح رئيسا لحكومة بولندة في المنفى .

أرسل مبعوثه الخاص Michał Czajkowski إلى تركيا ، والذي إعتنق الإسلام وأصبح يعرف بإسم محمد صادق باشا ، الذي أقام له مركزا وكان يدعى Adampol بالقرب من إستنبول ، للمهاجرين البولندين الفارين من الخدمة في الجيش الروسي الذي كانوا يحاربون في القوقاز . ومع إزدياد قدوم البولنديين الفارين من الأسر في شيركيسيا ، وورود المعلومات عن المقاومة الشركسية ضد القوات الروسية في شمال القفقاس ، بدأ إهتمام الأمير آدم بالقضية الشركسية .

وفي تلك الأثناء نشأ نزاع في العلاقات بين السلطان العثماني محمود وبين والي مصرمحمد علي باشا ØŒ سميت أزمة الشرق في الإمبراطورية العثمانية ØŒ والذي أدى للتوتر السياسي في العلاقات الروسية البريطانية ØŒ وخاصة بعد معاهدة İskelesi Hünkâr التي عقدت في العام 1833. إستغل الأمير آدم كزارتويسكي Adam Czartoryski هذه الحالة بدبلوماسية عالية ØŒ وخطط بإمكانية تطوير نشاطها بشكل غير رسمي ومعتمد من قبل وزارة الخارجية البريطانية . وقام بالتعاون مع ديفيد أوركوهارت David Urqhaert ØŒ وبعض المتعاطفين مع القضية الشركسية البريطانية بنشر “المحفظة” ØŒ وهي عبارة عن الملف التي كان يحتوي على سلسلة من المراسلات الدبلوماسية الروسية السرية التي إستولى عليها المتمردون البولنديون أثناء الإنتفاضة البولندية في وارسو في 1830 ØŒ وكانت تحوي العديد من الوثائق تدين العمليات العسكرية القائمة في شمال القفقاس .

كلف الأمير آدم إبن شقيقه الكونت WÅ‚adysÅ‚aw Zamoyski بالإتصال مع مجموعة من أنصار أوركهارت الشراكسة ØŒ ونظم رحلة السفينة الشهيرة “الثعلبة” المحملة بالأسلحة والعتاد لمساعدة المقاومة الشركسية ضد القوات الروسية ØŒ مما أدى لإستفزاز أكثر في العلاقات الروسية البريطانية ØŒ وكادت أن تكون سببا لوقوع الحرب بينهما . ومن وجهة نظر البولندية ØŒ فإن الحرب بين روسيا أو أية قوة أوروبية ØŒ كانت ستكون نجاحا لإستعادة بولندا إستقلالها .

أحيت الحرب التي تشنها روسيا في القوقاز على أمل البولنديين ، والتي حلموا بتطويرها إلى حرب روسية بريطانية ضرورية لمساعدة أهدافهم ، إلا أن الفشل لاحق البولنديين في محاولاتهم للحصول على مزيد من الدعم الفعال من وزارة الخارجية البريطانية لتنظيم مفارز الكتائب العسكرية البولندية ، والتي تم إنشاؤها من الجنود البولنديين الهاربين من الجيش الروسي ، للقتال إلى جانب الشركس ضد الروس .

ومع ذلك ، فقد إستطاع الأمير آدم بإرسال مبعوثهLudwik Zwierkowski إلى منطقة الشابسوغ في عام 1844 ، لكنه عاد إلى إسطنبول في العام 1846 مثقلا بالجراح . ثم أرسل مبعوثه الثانيKazimierz Gordon على أمل الوصول للإمام شامل في الشيشان ، إلا أنه إستطاع الوصول إلى أراضي الأوبيخ فقط ، وقتل على يد عميل روسي بعيد وصوله بقليل .

ثم جاءت فكرة إرسال فيلق عسكري بولندي إلى شركيسيا إلى حيز الوجود في وقت سابق قبل نهاية حرب القرم ØŒ ففي عام 1857 تم تشكيلها في الإمبراطورية العثمانية بقيادة العقيد ŁapiÅ„ski Teofil ØŒ وتم إنزالها قرب قرية توابسة الشركسية . تكونت نواتها من مفرزة تألفت من 120 جنديا ØŒ وشاركت في الحرب ضد القوات الروس في المعارك التي دارت خلال أعوام 1857-1860 ØŒ وكانت آخر أعمال هذا العمل الأخوي البولندي – الشركسي المشترك بكافة الأسلحة وخصوصا سلاح المدفعية ØŒ حتى بداية شهر كانون الثاني 1863 عند بدء الإنتفاضة البولندية الثانية . ثم أرسل فيلقا آخر بقيادة العقيد البولندي Klemens PrzewÅ‚ocki ØŒ في شهر تشرين الأول 1863 ØŒ والتي كانت قد نظمت وأرسلت الى شركيسيا بإشراف نجله الأميرWitold Czartoryski ØŒ وخاض الحرب حتى بداية شهر ايآر 1864 .

لقد واجهت المقاومة المسلحة البولندية الشركسية المشتركة النهاية المرة في الوقت نفسه ، والتي أسفرت عن الكارثة الوطنية في 21 مارس ايآر 1864 ، وإنتهت المقاومة المسلحة الشركسية في القفقاس بنزوح أعداد ضخمة من الشعب الشركسي إلى الإمبراطورية العثمانية . كما أدى أيضا إلى فشل ثورة كانون الثاني البولندية الثانية في الأراضي البولندية الليتوانية ، وأدت لأسواء فترة من الإضطهاد والترويس للبلاد . لقد إعتقد الشعبين البولندي والشركسي وما زالا يؤمنان بأن الله عظيم ، وأعظم بكثير من روسيا .

Recources:
1. RadosÅ‚aw Grajewski, Great Britain in the “diplomacy” of prince Adam George Czartoryski towards the Eastern Crisis (1832-1841). Warszawa 1999.
2. John P. Ledonne. The Grand Strategy of the Russian Empire, Oxford University Press, London 200.

 

للتنويه:الهدف الاساسي من نشر المقالات هو توفير منبر لقراء الموقع يجمع فيه أي مقالات تكتب عن شراكسة الأردن، أو أي مقالات تكتب من قبل كتاب شراكسة من الاردن، و في بعض الاحيان بعض المقالات المنتقاة من قبل ادارة الموقع التي نعتقد بأنها تهم قارئينا. المقالات المنشورة تعبر فقط عن اراء كتابها، و ليس بالضرورة عن اراء الموقع أو القائمين عليه. اننا نحاول قدر الامكان تحري صحة المعلومات المنشورة في الموقع و موضوعية الاراء ووجهات النظر، الا ان القائمين على الموقع ليسوا مؤرخين او باحثين في التاريخ او الثقافة الشركسية و ليسوا بخبراء بالابعاد السياسية لاي موضوع ينشر.